لقد جُبِلَت النفوس على حب من يجود لها بما يسعدها، وإن الجود بجميل المشاعر لَمن أسمى دلائل الود والصفاء وأجمله، بل هو مفتاح باب الفؤاد، وسبيل درب الوئام والوداد.
نعم إن القلب الغني ببهي المشاعر الطيبة، والذي يجود بها على القلوب بالصدق والاحتساب،
هو سيدٌ ملك بطيب قلبه حب القلوب له واحترامها له، وإن لم تبصره العيون.
وإن البخيل الذي لا يجود بجميل المشاعر، تأباه القلوب ولا تحبه، وإن ملك كنوز الدنيا كلها، فلربما تحتضنه الأبدان وتصافحه المصالح فقط دون القلوب الزكية النقية.
وإن من العجب كل العجب أن يبخل القلب على غيره بجميل المشاعر، وإذا جوزي بمثل فعله، حَزِن وغضِب، وفي الوقت ذاته ينشد من الغير كرمَ المشاعر فسبحان الله.
ومن الجميل في الذي يجود على القلوب بجميل المشاعر أنه يجازي نفسه بنفسه بالسعادة وراحة البال فكلما جاد وصدق سعد وارتاح. فتميزوا بكرم المشاعر وجودوا بجميلها لتسعدوا أنفسكم وتُسعدوا غيركم.
ثم إن من يستعرض حياة النّبيّ صلى الله عليه وسلم يجدها مليئة بجبر الخواطر، مع الصّغار والكبار والفقراء والضّعفاء، فهو مدرسة هذا الخُلق ومشكاة هذا الفنّ. صلى الله عليه وسلم.
فجبر الخواطر أعظم من عطايا الدنيا كلها، وكرم المشاعر من أسخى أنواع الكرم ..
نعم فمراعاة المشاعر وجبر الخواطر جزء من شريعة الإسلام، وعبادة نتقرَّب بها إلى الرحمن، فصاحب النفس العظيمة، والقلب الرحيم، رؤوف بإخوانه، رفيق بهم، يجتهد لهم في النصح، ويحب لهم الخيرَ كما يحبه لنفسه، ولا يحمل في صدره غِلًّا لهم، ويتجاوز عن هفواتهم، ويلتمس الأعذار لأخطائهم…
وأما صاحب اللفظ الجافي، والقلب القاسي فقد مضت سنة الله -تعالى- أن ينفر الناس منه، فلا يُقبَل منه توجيهٌ ولا دعوةٌ، ولا تُسمع منه نصيحة، ولا يرتاح له جليس، ولا يأنس به ونيس (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[آلِ عِمْرَانَ: 159]
ومن تأمل سيرة المصطفى النبي المجتبى وجد فيها الجمَّ الكثير من كرم المشاعر النبيلة والجود بها على الصغار والكبار حتى على البهائم كيف لا وهو الذي زكاه ربه حيث قال (وإنك لعلى خلق عظيم) وقال {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين} أي : إلا لنرحم بك العالمين صلى الله عليه وسلم.
فاللهم زيّنا بالمشاعر الكريمة الجميلة واجعلنا مباركين بها .